منتدى الأمير عبدالرحمن بن أحمد السديري - الدورة السادسة عشرة

الدورة السادسة عشرة
الأمن الغذائي في ضوء المتغيرات المحلية والعالمية
برعاية صاحب السمو الملكي أمير منطقة الجوف فيصل بن نواف بن عبدالعزيز
السبت 11 ربيع الآخر 1444(5 نوفمبر 2022)
برعاية صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن نواف بن عبدالعزيز أمير منطقة الجوف، افتتح وكيل إمارة المنطقة، حسين بن محمد السلطان أعمال منتدى الأمير عبدالرحمن بن أحمد السديري للدراسات السعودية في دورته السادسة عشرة، المنعقدة في قاعة دار العلوم بالجوف بمدينة سكاكا بعنوان: « الأمن الغذائي في ضوء المتغيرات المحلية والدولية»، وذلك يوم السبت ١١ ربيع الآخر١٤٤٤هـ (٥ نوفمبر ٢٠٢٣م)، بحضور عدد من المشاركين والمدعوين من المختصين والأكاديميين والخبراء والمهتمين.
وأشار مدير عام مركز عبدالرحمن السديري، سلطان بن فيصل السديري، إلى أن الهيئة المنظمة للمنتدى اختارت موضوع الأمن الغذائي في هذا العام موضوعًا للمنتدى في دورته الجديدة لهذا العام، معبراً عن شكره لسمو أمير منطقة الجوف لرعايته المنتدى وأعمال الدورة وحرص واهتمام سموه على دعم جميع الفعاليات الثقافية بالمنطقة.
تضمن المنتدى جلستي حوار نوقش خلالهما الموضوعات المتعلقة بالأمن الغذائي على المستوى المحلي وتأثره بالتطورات التي تحدث على الصعيد العالمي، وشارك في جلستي الحوار كل من أ. د. سليمان بن علي الخطيب، الوكيل المساعد للزراعة، بوزارة البيئة والمياه والزراعة، ود. محمد بن صالح العمري، نائب محافظ المؤسسة العامة للحبوب للشؤون التنظيمية، ود. ريم بنت فهد السكيت، من قسم علوم صحة المجتمع، بجامعة الملك سعود، وم. إبراهيم بن صالح الربدي، مدير مركز التنمية المستدامة بجامعة القصيم، وم. عبدالله بن علي الدبيخي، الرئيس التنفيذي في شركة الأقطار للتطوير العقاري، ود. إبراهيم بن عبدالعزيز التركي، رئيس اللجنة الوطنية للزراعة وصيد الأسماك باتحاد الغرف التجارية، والأستاذ محمد بن إبراهيم الفوزان، نائب محافظ المؤسسة العامة للحبوب لشؤون الحبوب والمشرف العام على استراتيجية الأمن الغذائي. وأدار ندوة المنتدى الأستاذ جمال المعيقل، مدير الإدارة الاقتصادية في القناة الإخبارية.
كلمة المدير العام
وألقى سلطان بن فيصل السديري، مدير عام مركز عبدالرحمن السديري، كلمة افتتاح المنتدى، فقال: إن اختيار موضوع (الأمن الغذائي في ضوء المتغيرات المحلية والعالمية)؛ في هذه الدورة يأتي استشعارًا لأهمية هذا الموضوع؛ بعد التطورات الأخيرة على المستوى العالمي، ابْتداء بجائحة كورنا ثم الحرب الروسية الأوكرانية وآثار ذلك على الأمن الغذائي العالمي. ونرجو أن يسهم المشاركون في هذا المنتدى بتقديم الرؤى والمقترحات التي تستفيد منها الجهات ذات العلاقة في الأمن الغذائي. وأكد أن المركز دَرَج منذ تأسيسه قبل ستين عامًا على الإسهام في خدمة الثقافة في المملكة، من خلال ما وفره من مكتبات عامة، وبرامج لدعم البحوث والنشر وأنشطة المركز المنبرية المتنوعة التي تبث من خلال المنصات الرقمية فأضحى جمهورها المتلقي من مختلف مناطق المملكة ومن العديد من الدول العربية الشقيقة ودول العالم بشكل عام. وأشار مدير عام المركز سلطان السديري، إلى التقدير الكبير لصاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن نواف بن عبدالعزيز على دعمه المتواصل لأنشطة المركز وبرامجه الثقافية، ولكل المبادرات الثقافية والمجتمعية التي تقام في منطقة الجوف؛ ما كان له أطيب الأثر لدى القائمين على هذه المراكز والمؤسسات الثقافية، وشكّل حافزًا للجميع لتقديم المزيد لخدمة وطننا في المجال الثقافي.
ندوة المنتدى
حلقة الحوار الأولى
المتحدثون:
د. محمد بن صالح العمري، ود. ريم بنت فهد السكيت، وم. إبراهيم بن صالح الربدي، وم. عبدالله بن علي الدبيخي.
أدار الجلسة: أ. جمال المعيقل.
افتتح الأستاذ جمال المعيقل الجلسة فبدأ بشكر المشاركين في هذا المنتدى، وشكر إدارة المركز على تنظيم هذه الندوة لما للأمن الغذائي الوطني من أهمية كبرى وبخاصة بعد التغيرات التي طرأت على الصعيد الدولي، وأكد أن مركز عبدالرحمن السديري الثقافي يعد صرحًا ثقافيًا قدم الكثير للمنطقة، كما أنه يتميز بجودة إنتاجه الفكري والأدبي والثقافي، في خدمة منطقة خدماته بشكل خاص، والمملكة بوجه عام. وقال إنني أحمل له الكثير من الذكريات الجميلة، وبخاصة هذا المكان، دار العلوم بالجوف، وقد ازداد اليوم رونقًا وبهجة بحضور هذا الجمع من المهتمين بموضوع الأمن الغذائي الذي يناقشه المنتدى، وضج الجمهور بالتصفيق عندما قال مدير الندوة: «كما أشعر بالسعادة لحضور والدتي وهي واحدة من سيدات منطقة الجوف، التي تحضر معنا اليوم، وتجلس بينكم الآن».
ورحب بفرسان الجلسة الأولى التي ستناقش المحور الأول عن الأمن الغذائي في ضوء المتغيرات العالمية.
المتحدث الأول:
الدكتور محمد العمري،
نائب محافظ المؤسسة العامة للحبوب للشؤون التنظيمية
قال د. العمري، إن مفهوم الأمن الغذائي لم يكن معروفًا سابقًا. لكن مع توسع المجتمعات البشرية، وزيادة عدد السكان بدأ التفكير بتخزين الغذاء، لأوقات لا تتوافر فيها تلك الأغذية، ثم تطور الاهتمام فأخذت الدول تهتم بالادخار والتخزين، لتأمين قوت الناس، ومع زيادة الاحتياج للغذاء بشكل واسع، أصبح تعريف الأمن الغذائي حسب المنظمات الدولية والأمم المتحدة هو المقدرة على توفير الغذاء الكافي بصفة مستمرة وبشكل دائم، وصار من مكونات الأمن القومي للدول وسيادتها.
وقال الدكتور العمري إن الحرب الروسية الأوكرانية جعلت مختلف دول العالم تعيد التفكير من جديد بأمن شعوبها الغذائي؛ فروسيا وأوكرانيا تنتجان معا ٣٠٪ من الكمية المتاحة للبيع في العالم، أي أن ثلث الإنتاج العالمي المتاح للتصدير والتبادل التجاري تعرض لتأثير كبير بسبب الحرب، فزادت الأسعار بأكثر من خمسين دولارًا للطن الواحد، ما تسبب في حدوث ارتباك لدى الدول غير المنتجة.
إن جائحة كورنا، والحرب الروسية الأوكرانية، والتضخم الاقتصادي الحاصل اليوم، وتأثر سلاسل الإمداد، واستدامة الإنتاج، أحدثت تأثيرات سلبية جدًّا، تختلف من دولة لأخرى. مثلا في المملكة العربية السعودية نعتمد على الأرز بشكل كبير جدا في غذائنا اليومي، وهو ما يشكل انعكاسات سلبية إذا حدث - لا قدّر الله- أي خلل ذي بال في سلاسل الإمداد، أو لدى الدول المصدّرة لتلك السلعة. فالأمن الغذائي يقاس أحيانا بمستوى توافر السلع الأساس.
ومن الدورس المستفادة من تلك الأزمات الدولية، أشار الدكتور العمري إلى سعي الدول ليكون لديها إنتاج محلي يحقق على الأقل الأمن الغذائي النسبي، من خلال التركيز على الإنتاج المحلي لتفادي الصعوبات والتذبذبات التي تحصل في الأسواق العالمية. وثانياً، عقد شراكات طويلة المدى مع كبار المنتجين والموردين، وثالثاً، التقليل من نسبة الفقد والهدر في الأغذية والمواد الأساس: فهناك فقد كبير جدا في الغذاء على مستوى العالم. ورابعا دعم سلاسل الإمداد من خلال دعم الملاحة البحرية الوطنية بحيث يكون لها دورها وإسهامها في تأمين استيراد المواد الغذائية الأساس، تفاديا لارتفاع أسعار الشحن وأسعار المنتجات الأساسية في البلدان المنتجة، فهذه من الأمور التي ينبغي أن تؤخذ في الحسبان، لتخفيض تكاليف الاستيراد. ومن الدروس المستفادة أيضا ينبغي على الدول المستوردة أن تتوسع في إنشاء الوحدات التخزينية؛ سواء الصوامع أو المستودعات الكبيرة لمواجهة مثل هذه الأزمات.
المتحدث الثاني:
المهندس عبدالله بن علي الدبيخي،
أما المهندس عبدالله الدبيخي، فأشار إلى أن الأمن الغذائي مصطلح متشعّب، وله تعريفات كثيرة جدا، وسيظل الغذاء يُنتج في أماكن معينة من العالم، ويُحتاج له في أماكن أخرى. كما سنظل في المملكة العربية السعودية نحتاج لاستيراد الغذاء من الخارج، ما بقي الزمان، ويشاركنا في ذلك العديد من دول العالم. وقال إن عدم التوازن في إنتاج الغذاء واستهلاكه سيبقى؛ وهناك قضية مرتبطة ارتباطا قويّاً جدا بالأمن الغذائي، هي قضية الفَقْد والهدر، وهذا أمر إذا لم يتم التحكم به وإدارته بشكل جيد، فسيبقى عائقاً كبيراً جدا أمام الأمن الغذائي.
وأشار المهندس الدبيخي إلى أن المشكلة تكمن في التوزيع. فالعالم ينتج نحو ٧٧٨ مليون طن من القمح، بينما الصادرات منه تبلغ ١٩٣ مليون طن، يعني نحو ٢٥٪؛ ويبلغ إنتاج العالم من الأرز ٥١٤ مليون طن، بينما لا يصدر منه إلا ١٠٪ فقط، بمعنى أن نسبة عالية من الإنتاج يخصص للاستهلاك المحلي. مادة الشعير كمية الإنتاج تصل إلى ١٤٥ مليون طن، بينما يخصص فقط ٣٠ مليون طن للتصدير أي ما نسبته ٢٠٪، والمملكة تعد من أكبر الدول المستوردة للشعير؛ ما يجعل هذه السلعة من المواد التي تشكل لدينا خطورة كبيرة جدا لكوننا نضطر لاستيرادها. وهنا يأتي دور التصنيع والتسويق الذكي للمنتج.
وطالب المهندس الدبيخي بدراسة فكرة مشروع استيراد كميات كبيرة من الحبوب وتخزينها، بحيث يخصص ما يكفي للاستهلاك المحلي داخل المملكة، ويعاد تصدير الجزء الثاني للدول المجاورة التي تبحث عن تلك المواد الأساسية، فيكون لدينا مركز استيراد وتصدير للسلع الأساسية؛ وفق برنامج زمني مدروس؛ وأشار م. الدبيخي إلى التفكير جديا في استراتيجية تصدير المنتجات المصنعة من المواد الأساسية عوضا عن تصدير المواد الغذائية بشكلها الخام؛ ما يزيد من قيمتها التصديرية.
المتحدث الثالث:
الدكتورة ريم بنت فهد السكيت
قالت د ريم السكيت إننا لا نستطيع الحديث عن الأمن الغذائي بهدف القضاء على الجوع وحسب؛ فقد تطور التعريف، وأضيف إليه البعد الصحي، والنظام الغذائي الصحي الآمن للجميع؛ لأن الغذاء غير الصحي يعد المسبب الأول للأمراض المزمنة؛ ويمكن أن أُضيف أن سوء التغذية يمكن أن يكون العامل الأول المسبب للوفيات والعجز، فسوء التغذية مرتبط بمدى توافر السعرات الحرارية.
كما أكدت أهمية تنويع مصادر الغذاء، ففي زاوية الاستثمار في النظم الزراعية ينبغي الاهتمام بأن تكون مستدامة أكثر، وتغطي جانب التنوع في الإنتاج الزراعي، لتغطية الاحتياجات المحلية من تلك الأنواع.
وقالت د. السكيت نتمنى لسياسات التغذية أن تعالج العوامل التي تهدد الأمن الغذائي بمفهومه الشامل؛ فالغذاء الصحي المستدام، هو أحد التحديات في وقتنا الحاضر. وهناك تحديات على صعيد الصحة العامة للأفراد، منها انبعاثات غاز الكربون من قطاع الأغذية، وما يترتب على التصدير والشحن بوسائله المختلفة؛ ويمكن أن يكون أحد الحلول لذلك توجه من منظمة الفاو ليكون التركيز على دعم أو زيادة إنتاج الخضار والفواكه محلياً في الدول، وتحفيز إنتاج المحاصيل المفيدة صحيا، وكذلك الاهتمام بالجودة وليس الكميات.. وأشارت د. السكيت إلى أن من الدروس المستفادة، من المتغيرات الدولية الأخيرة أن نفرق بين الحلول قصيرة المدى التي يُلجأ إليها عند الأزمات الطارئة، التي تحتاج لتدخل مباشر، والحلول طويلة الأمد التي تدعونا للنظر في مدى تأثيرها على الصحة وعلى الغذاء الصحي. كذلك من الضروري العناية بأدوار الحماية الاجتماعية، وبرامج الضمان الاجتماعي، لحماية ذوي الدخل المحدود بشكل خاص، من تأثيرات تلك التحديات والمتغيرات؛ لأن التكلفة عليهم تكون أعلى بكثير من قدراتهم المالية، وتأثرهم يكون أكبر من الشرائح ذات الدخل المرتفع. فانعدام الأمن الغذائي عند النساء أكثر منه عند الرجال، ففي كل الدول تتفاوت هذه النسبة، ولكن هذه الحالة مكررة تقريبًا، فانعدام الأمن الغذائي عند النساء يبلغ ٣٢٪، مقابل ٢٨٪ عند الرجال.
المتحدث الرابع:
المهندس إبراهيم بن صالح الربدي
وتحدث المهندس إبراهيم الربدي فأكد أن الأمن الغذائي أو الإنتاج الزراعي والحيواني يرتبط بعدد من المتغيرات، من أهمها البنية الأساسية: التربة، والماء، والهواء؛ وهذا يعني أن أحد أبعاد التنمية المستدامة هو البعد البيئي؛ فأي خلل يحدث في أي مكان بالعالم اليوم، بالنسبة لنا يعد خللاً مؤثرا على باقي الدول؛ فلو حصل تلوث بيئي أو إشعاعي، في أي موقع على الكرة الأرضية؛ فإن الضرر لن يكون محصورًا في ذلك الموقع؛ بل سينسحب تأثيره إلى باقي أجزاء العالم. ومن أهم الأبعاد، الكوارث الطبيعية سواء الحرائق، أو الأمطار، أو الفيضانات، أو الجفاف، أو الأعاصير والرياح، وغيرها؛ فهي من أهم المتغيرات التي تؤثر على مساحات شاسعة من الكرة الأرضية.
والمتغير الثاني، هو الحروب والصراعات؛ والمتغير الثالث، هو سلاسل الإمداد وارتفاع الأسعار نتيجة لتأثرها؛ والمتغير الرابع الجوائح الطارئة التي يمكن أن تحدث دون سابق إنذار، كما حدث بالنسبة لجائحة كورونا. فقد كان لهذه الجائحة آثار يمكن القول إنها إيجابية نسبيًا على الجانب البيئي، لكن كانت لها في الوقت نفسه آثار سلبية كبيرة جدًّا على المخزون من الإنتاج الزراعي؛ فقد حصل لدينا نقص بنسبة تقارب الـ ٢٠٪ في الإنتاج الغذائي، كما أنها أثرت على شعور الناس وسلوكياتهم، بتخزين أغذية بنسبة تصل إلى ٢٥٪ في بعض الدول، ورافق ذلك امتناع كثير من الدول عن تصدير المنتجات الغذائية، نتيجة القلق الذي حصل جرّاء جائحة كورنا؛ كما أدى الإغلاق والتباعد والحجر الصحي إلى شحّ في الإنتاج، ونقص في التصدير؛ فكل دولة كانت تقدم مصالحها الذاتية في مجال الغذاء على مصالح الدول الأخرى؛ فتوقفت سلاسل الإمداد؛ لكن، والحمد لله يمكن أن يكون هذا هو الدرس الأول والأصعب للمملكة العربية السعودية في تجاوز أزمة تعد من أكبر الأزمات التي مرت في التاريخ الحديث، فيما يتعلق بتأمين الغذاء، وسلاسل الإمداد. وانتشر مبدأ التخزين لدى كثير من المجتمعات، وقد تعلمنا من ذلك درسًا مهمًا، في التوعية الإعلامية للناس، فينبغي أن تتوافر رؤية واضحة لحملة إعلامية متوازنة لبث الطمأنينة في المجتمع المحلي؛ لأن ضرر الهلع أشد من ضرر نقص الغذاء.
وأكد م. الربدي أن العالم الآن بدأ يبني رؤيا جديدة لاستراتيجية الأمن الغذائي، بناء على المتغيرات الحديثة، وبخاصة أنه إذا حصلت أزمة في منطقة مؤثرة في الإنتاج الغذائي، فهذه مؤثرة أمنيًّا وغذائيًّا، ومن شأنها أن تتسبب في إعادة بناء التحالفات الإقليمية والدولية. والأمر الثاني، ظهور تقنيات حديثة سواءً بما يتعلق بتحسين التربة، وتوفير استهلاك المياه، وغير ذلك، ويجب علينا الإفادة من هذه التقنيات، نظرًا لقلة المياه عندنا، وتطرف المناخ. أما على المستوى المحلي، فنحن أيضًا بحاجة إلى إعادة تصنيف المواد الغذائية بناء على أهميتها؛ مثلا التمور الإنتاج عندنا أكثر من ١٠٠٪ ، أي أن لدينا اكتفاءً ذاتياً وزيادة، كما يصل إنتاجنا لبعض الخضراوات إلى ٨٠٪ و٧٠٪ و٦٠٪، وإنتاجنا من البيض والدواجن يتجاوز ٦٠٪، فما هي الخطة أو الرؤيا التي توضح لنا الحد الأدنى لتحقيق الاكتفاء الذاتي؛ سواء في حالة الاستقرار، أو في حالات الطوارئ.
حلقة الحوار الثانية
واقع الأمن الغذائي
في المملكة العربية السعودية، والتحديات المحلية
المتحدثون:
د. سليمان الخطيب، وأ. محمد بن إبراهيم الفوزان، ود. إبراهيم بن عبدالعزيز التركي.
أدار الجلسة: أ. جمال المعيقل.
بدأ مدير الجلسة الأستاذ جمال المعيقل قائلًا ستناقش هذه الجلسة الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك المحليين ومصادر الاستيراد، وسبل تجسيرها، والسياسات الزراعية المطبقة بين متطلبات الأمن الغذائي وشحّ الموارد المائية، وكذلك الدروس المستفادة من تجارب الماضي من القطاع الزراعي، والتوصيات في ظل تجارب الماضي وتحديات الحاضر والمستقبل، وكذلك المجال الزراعي والغذائي في المملكة بما في ذلك توضيح التقدم التقني في تسجيل التحديات التي تواجه القطاع الزراعي.
المتحدث الأول:
الدكتور سليمان الخطيب
أشار الدكتور سليمان الخطيب إلى ثلاثة مفاهيم ترتبط بالغذاء، هي: الأنظمة الغذائية، والأمن الغذائي، والأزمات الغذائية. كل واحد من هذه المفاهيم الثلاثة له اعتبارات، وتدابير، وإجراءات. فمفهوم الأمن الغذائي يختلف تمامًا في قضية توفير السلعة وحدها على مستوى الوطن أو على مستوى المناطق؛ وعندما نتحدث عن النظام الغذائي فإننا نتحدث عن الإنتاج والاستهلاك والتخزين، فيدخل فيه السلوك الغذائي، والسياسات والإجراءات المتبعة في الاستيراد والتصدير وما إلى ذلك. فعلى مستوى العالم، يبلغ معدل استهلاك الفرد من مادة السكر ٦٤ جراماً يومياً، أما عندنا في المملكة فيبلغ استهلاك الفرد من السكر ١٠٤ جرامات يومياً! وهو نمط يجب أن يتغير؛ أما قضية النشويات واستهلاكها أيضا، فهي قضية أخرى، وهذا يضغط علينا في منظومة البيئة، والمياه، والزراعة. ودعا الدكتور الخطيب إلى اعتماد السياسات والاستراتيجيات؛ ومعالجة التقاطعات المشتركة بين الجهات الحكومية، والمشاكل التي تواجهها، وهذا مفهوم جديد لم يكن موجودًا من قبل. وأن هذه المفاهيم الجديدة لم يسبق أن عُمل بها، ولم يسبق تطبيقها، بما فيها الأمن الغذائي، أو القطاع الزراعي بشكل عام. وبالتالي؛ حاليًا من ضمن برامج الرؤيا قضية التخصيص، وقضية جودة الحياة التي تعني توفير غذاء صحي وآمن ومغذِّ فعلا.
وتحدث د سليمان الخطيب عن الدروس المستفادة من جائحة كورونا، إذ تفتحت العيون على ثغرات موجودة، واستطعنا أن نسدها، فكان عندنا نحو ٣٥ أو ٣٧ مشروعًا متعثرًا لأسباب مختلفة؛ إما لعدم توفير التمويل التشكيلي أو الإنشائي أو توقف المشروع؛ فجرى دعم هذه المشاريع خلال جائحة كورونا عام ٢٠٢٠ كي نستطيع أن نفي بمتطلبات السوق المحلية واحتياجاتها من الخضار، وبالتالي حاليًا تحقق لدينا اكتفاء ذاتي من الخضار في معظم المحاصيل، من المنتج محليا، وبمستويات عالية الجودة، كما تم مضاعفة البيوت المحمية المنتجة للخضار بنسبة ١٠٠٪، فقد كان عندنا وفق إحصائية عام ٢٠١٥ نحو ٣١٠٠ هكتار، والآن هناك ما يزيد عن ٦٠٠٠ هكتار.
وقال د الخطيب إن المملكة لا تصنف على أنها دولة زراعية، فهي من ضمن أول عشر دول في الشح المائي، ولديها ظروف مناخية صعبة جدا، ومعظم تربتها رملية، لكنها حاليا لاعب أساس في الطاقة، وكما تعلمون فإن المحرك الأساس للاستثمارات الزراعية على مستوى العالم هو الطاقة. كما ان المملكة لاعب أساس في مدخلات الزراعة، فهي تنتج ٩.٥ مليون طن من الأسمدة، يستهلك منها داخل المملكة فقط نصف مليون طن، والباقي يصدر لدول العالم. فاقتصاد القطاع الزراعي على مستوى العالم، تلعب المملكة فيه دورا رئيساً، والمملكة لها حصة رئيسة من الدول العشر الأساس التي تصدر الأسمدة على مستوى العالم.
المتحدث الثاني:
الأستاذ محمد بن إبراهيم الفوزان
أكد الأستاذ الفوزان أن العمل على استراتيجية الأمن الغذائي بالمملكة بدأ منذ عام ٢٠١٦ واعتمدت الاستراتيجية في مايو ٢٠١٨، وهي تعتمد على عدة ركائز منها: الوفرة، واستدامة الغذاء، وسلامته وصحته، وترجمت هذه الركائز إلى عدة برامج، بلغت ١١ برنامجاً، منها: صناعة الزراعة المستدامة، وصناعة الغذاء، وبرنامج الإنذار المبكر، والبرنامج الوطني للفقد والهدر الغذائي، وبرنامج الخزن الاستراتيجي للأغذية، وحوكمة الأمن الغذائي. كما بدأت المملكة في تفعيل حوكمة الأمن الغذائي بتشكيل لجنة للأمن الغذائي يرأسها معالي وزير البيئة والمياه والزراعة، وعضوية ١٢ جهة حكومية.
وأشار الأستاذ الفوزان إلى إننا في مجال الخزن الاستراتيجي، حددنا ثماني سلع استراتيجية، هي: القمح، والأرز، والسكر، والزيوت النباتية، ومدخلات الأعلاف: الذرة، وفول الصويا، والبرسيم، والشعير. إن استهلاكنا من القمح يقدر بـ ٣ ملايين طن، إذا استبعدنا الإنتاج المحلي البالغ بحدود ١.٥٪.
وقال أطلقنا في عام ٢٠١٨ برنامج «لتدوم» الوطني للفقد والهدر الغذائي وهو من الركائز والبرامج المهمة في الأمن الغذائي، وبدأنا بتقدير خط الأساس للفقد والهدر، والذي كان ٣٣.١٪؛ فإذا قللنا الفقد والهدر الغذائي، نكون بذلك قد وفرنا خزناً استراتيجياً عالياً، هناك دراسة حصلت على موثوقية من الأمم المتحدة، ذكرت أن قيمة الهدر الغذائي تبلغ ٤٠ مليار ريال سنوياً، حسب الإنفاق الأسري، وهو رقم صادم، ومثل هذا المبلغ يمكن الإفادة منه في مجالات تنموية في البلد بدل أن يتم هدره. وسيتم البدء بالتعاون مع جمعيات «حفظ النعمة»، ومع وزارة البلديات والشؤون القروية، وسيتم سن تشريعات مستقبلية كي نحد من الفقد والهدر ونصل إلى نحو لا يتجاوز ما نسبته ١٠٪ بإذن الله.
المتحدث الثالث:
الدكتور إبراهيم بن عبدالعزيز التركي
قال د إبراهيم التركي إنه من المتوقع أن يصل استهلاك الأغذية والمشروبات في المملكة في عام ٢٠٣٠ إلى ٣٧٠ مليار ريال، وهذا رقم بالطبع كبير جدًا. وقد وَضعت وزارة البيئة والمياه والزراعة مستهدفات كبيرة في رؤية ٢٠٣٠ في القطاع الخاص، لرفع معدل إسهام الناتج المحلي الزراعي من ٦٥ مليار ريال في بداية الرؤيا إلى ١٣٠ ملياراً؛ ما يعني مضاعفة الناتج خلال ١٢ سنة. والآن بعد أحداث جائحة كورونا، وبعدها الحرب الروسية الأوكرانية، تنامى الاهتمام بالميزان التجاري الزراعي، للنهوض به. كل ذلك يضع القطاع الخاص أمام تحديات كبيرة جدا. فالإنتاج المحلي جله من القطاع الخاص، لدينا مئات الآلاف من المزارعين وموردي البذور والأسمدة والذين يعملون في سلاسل الإمداد كلهم قطاع خاص، وقد اعتمدت الرؤيا اعتمادًا كبيرًا على القطاع الخاص للإسهام في برامجها، فالدولة تقوم بعمليات التنظيم، والتشريع، وسن القوانين لهذا القطاع. وهناك فرصة كبيرة للاستثمار في علوم الأمن الغذائي.
وأشار د. التركي إلى أن المملكة لديها مشروع بحثي بالتعاون مع الحكومة الهولندية لتطوير زراعة البطاطا، واستمر المشروع نحو ٢٠ سنة استطعنا في المملكة العربية السعودية أن نكون بجدارة بلداً منتجاً للبطاطا. وهناك شركات أغذية كبيرة ترى أن البطاطا السعودية تعد من أجود أنواع البطاطا في العالم. فقد كان ترتيب المملكة في البطاطا كما تتبعته منذ أربعين سنة إلى الآن ٩٣ على مستوى العالم، وعندما انتهى المشروع في نحو عام ٢٠٠٠ أصبح ترتيب المملكة ٢٤، أي أن ترتيب المملكة قفز نحو ٧٠ مرتبة، وهذه القفزة لا شك أنها تعد قفزة كبيرة جدا.
وأكد الدكتور التركي على أن النقطة الرئيسة هي الاستثمار في العلم، ولنعلم أنه ليس هناك شيء مستحيل كما يقال، وما فعله غيرنا يمكن أن نفعله نحن بتوظيف العلم. فالعِلم هو ذلك السحر الذي يقود للنجاح، ففي الحقيقة لم نكن في المملكة نعرف زراعة البطاطا، لكن اليوم تعد البطاطا المحصول الثاني أو الثالث بعد التمور، لكن هذا المشروع توقف عام ٢٠٠٠.
في مجال الألبان، في المملكة اليوم تُنتج البقرة في المتوسط أعلى من هولندا، وألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وأعلى من كثير من دول العالم، بل إنها في عام ٢٠٢٠ الذي توفر فيه إحصائية للأمم المتحدة، كانت البقرة لدينا تحتل المرتبة الثانية على مستوى العالم، وأقدم هذه الأمثلة على سبيل المثل، والمجال مفتوح لمزيد من تحقيق النجاحات في الاستثمار الزراعي المدروس.
مداخلات وتوصيات
وقد شهدت الندوة حوارًا ومداخلات من الجمهور تناولوا العديد من القضايا المتعلقة بالأمن الغذائي، مثل الهدر والفقد الغذائي، وتقنية المياه والزراعة المائية وإعادة تدوير المياه، والاستفادة من الطاقات المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وغيرها.
ومن أهم التوصيات التي اقترحها المشاركون بالندوة:
١. تشجيع الإنتاج الزراعي المحلي قدر الإمكان، مع الأخذ بعين الاعتبار المحافظة على المخزون الاستراتيجي للمياه الجوفية.
٢. بناء استراتيجية للأمن الغذائي تعتمد على مخزون طويل المدى، والتوسع في إنشاء المستودعات والصوامع لتخزين المواد الأساس.
٣. الحدّ من الفقد والهدر في الغذاء.
٤. تأسيس شركة غذائية متكاملة على غرار الشركات الكبرى.
٥. إعادة تفعيل شراكات التكامل مع الدول العربية.
٦. تطوير أعمال الشركة الوطنية للحبوب، ومقرها في ينبع، بحيث يكون لها فرع في جيزان وآخر في الخليج العربي.
٧. تنفيذ حملات توعية في مجال الأمن الغذائي وترشيد الاستهلاك وتخفيض الفاقد.
٨. الاهتمام بعلوم الاستثمار الاقتصادي المعرفي.