■ د. هياء عبدالرحمن السمهري
حازت محافظة الغاط منذ عقود منصات التنوير باقتدار؛ وما تزال تشرق في آفاقها! واستدارتْ الغاط لتلتقي بكل القادمين إليها لجلب الثقافة واسترفاد معانيها بمفهومها الشامل؛ فانشق الكون عن تلك المدينة الرشيقة الأنيقة التي شهدتْ منتدى «منيرة الملحم» في سنوات عمره الإثنتي عشرة؛ فكانت حُزَما بصيرة من الانتقاءات المكتنزة، فغدتٍ الغاط ومنتداها صديقان صدوقان للمجتمع واهتماماته، ليس في مجتمع الغاط وحدها فحسب، بل امتد الوهج لأجزاء من وطننا الأشم؛ وما تزال تنداح من منبر منتدى منيرة الملحم رؤى وأفكار وتوصيات لافتة محفزة تهفو لها العقول وتزهو خلالها بحراك تنويري ممتد من شمالي الوطن حيث كانتْ البدايات في مركز الأمير عبدالرحمن السديري الثقافي في «الجوف» حين حمل رحمه الله ممكنات الثقافة المجتمعية من سكاكا، حيث الإمارة والتمكين، إلى الغاط، حيث المولد والحنين!
يقينا منه رحمه الله أن وجها آخر للثقافة سوف يسطع في سماء الغاط؛ ويمتد التنوير فوّارا إلى الغاط الودودة التي حظيت بحفاوة الأمير الراحل ومن بعده أبنائه وبناته، ولكنها حفاوة من نوع آخر حين اقترنت باسم وطني أسهم في مؤزارة الحراك التنموي آنذاك في الجوف، ومن ثم الغاط، فكان منتدى منيرة الملحم رحمها الله صعودا مكينا للثقافة المجتمعية عندما تسلط الأضواء على ممكنات جودة التشغيل، فكانتْ «دار الرحمانية» في محافظة الغاط ميلادَ مؤسسة ثقافية حملتْ مجموعة من مشاعل التنوير، فهي دار معرفة أصيلة لها معاييرها فيما تحمله وتنشره وتديره، وهي موقع فاخر يقام فيه «منتدى منيرة الملحم السنوي الثقافي المجتمعي» الذي يستجلي متطلبات التنمية المجتمعية في صفوف متوالية تبرز فيها الانتقائية العالية في الموضوعات، كما يستقطب المنتدى العقول المتخصصة، لتبسط في المنتدى شواهد الموضوع وممكناته وأدواته، وتعرض دروب تطويره، من خلال نخبة مصطفاة من جديري الوطن والمبصرين في المجال المطروح؛ وفي مكتبة دار الرحمانية أيضا تأطير حافزٌ في صياغة التنمية المجتمعية داخل نطاق المحافظة وما جاورها في مجالات عديدة: ثقافة، وتدريب، وتأهيل، ومعارض محفزة، ودعمٌ للمعرفة بكل أشكالها، وتحقيقٌ لممكنات النهوض من خلال المُشْتركات مع المؤسسات الحكومية في المحافظة وقنوات القطاع الخاص؛ وتواشجا متينا مع المناسبات والأيام الوطنية.
وتعزيزا لذلك السبق المؤسسي المجتمعي، استضافت محافظة الغاط في يوم الاثنين الموافق الثاني من شهر جمادى الثانية/ السابع والعشرين من يناير ٢٠٢٠ وعلى منبر منتدى «منيرة الملحم السنوي لخدمة المجتمع» نسيجا إنسانيا وطنيا متينا لموضوع حيوي لصيق ومتواشج مع رؤية بلادنا العملاقة «دورالقطاع غير الربحي في الإرتقاء بمؤشر رأس المال الإجتماعي في ضوء رؤية ٢٠٣٠»، وذلك الإنتقاء أحسبه إبصار جدير بالتقدير والإشادة من القائمين على المنتدى نحو ممكنات المجتمع الحيوي ذي الاقتصاد المزدهر؛ وفيما تم طرحه كانت هناك محكات ممنهجة سوف تمنح بعون الله مفاتيح البدايات لكل الراغبين في تشكيل قطاعات غير ربحية ذات دافع إنساني غير ربحي داعمة للتنمية المجتمعية؛ وقد توشح اللقاء بفتح حوارات عميقة حول الموضوع انكشفت عنها بعض الرؤى المتطورة لقيادة العمل الاجتماعي غير الربحي في مجالات التنمية المجتمعية. ومن اللافت في جدارة ذلك الموضوع للطرح أن المنتدى عزز الموضوع باستضافة حيوية مبصرة لمن يمثل المرجعية النظامية الرسمية للقطاع غير الربحي ممثلا في وزارة العمل والتنمية الاجتماعية وضوء آخر لممثلين ورؤساء عن بعض الجمعيات الخيرية التنموية وعن جوائز وطنية تحفز لخدمة المجتمع.
وفي المنتدىشواهد تحمل دلالات التنوير؛ وصفوف من الحوافز الداعمة للحراك المجتمعي المثمر الإيجابي الذي يستهدف الإنسان وتنميته ولا يستغلق على البصير التقاط متغيراتها وتجدّدها الدؤوب، فالمثاقفة تراسلتْ مع الغاط من الجوف فاقتربتْ الرؤى واستدارتْ الزوايا، أما المنتدى السنوي المكتنز «منتدى منيرة الملحم لخدمة المجتمع» فهو منصة إشراق مجتمعية ومجيء مدهش، توشحه اسمها رحمها الله ليصبح جزءاً من الثقافة الوطنية وأتمت عائلتها رسم لوحاته النامية فعبر ذلك المنتدى المجتمعي مدارجه في اثنتي عشرة سنة حتى هذا العام ١٤٤١.
نعم هُنَاك في الغاط شعور جميل بالمغامرة المحمودة لفتح بوابات الثقافة وخدمة المجتمع على مصراعيها لتمتد من الغاط الجميلة إلى كل أرجاء بلادنا، فهنيئا للغاط حراكها الثقافي المثمر، وهنيئا لها ازدهارها المجتمعي المشهود الذي صنعته تلك العقول العظيمة، رحمهم الله وحفظ امتدادهم ليكملوا المسيرة التنموية الثقافية.
ويستحق مركز الأمير عبدالرحمن السديري في منطقة الجوف ومشاعله ومنتدياته في محافظة الغاط وما ينتج عنه من حراك ثقافي تنموي مجتمعي تصدّر مصادر التنوير الثقافي تأسيسا في بلادنا، كما منح المرأة أول نوافذ التنوير في مشروع ثقافي كبير، وتبنّى مفهوم الشراكة المجتمعية قبل صياغاتها الحديثة؛ يستحق تكريما وطنيا في أرفع مستوياته.