"قطاع السياحة السعودي:
الإنجازات والتحديات وآفاق التطوير"
والأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز
شخصية المنتدى لهذا العام


عقد منتدى الأمير عبدالرحمن بن أحمد السديري للدراسات السعودية دورته الثالثة عشرة، في دار الرحمانية بمحافظة الغاط بعنوان: " قطاع السياحة السعودي: الإنجازات والتحديات وآفاق التطوير"، وكرّم صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز شخصية للمنتدى في هذه الدورة، وذلك يوم السبت 12 ربيع الأول 1441هـ الموافق 9 نوفمبر 2019م، وحضر المنتدى جمع من الاقتصاديين والمستثمرين والمهتمين بقطاع السياحة في المملكة.
وقد تضمن المنتدى جلستي حوار نوقش خلالهما واقع قطاع السياحة السعودي وإنجازاته والتحديات التي يواجهها، وسبل تعزيز إسهام السياحة في الاقتصاد السعودي خلال المرحلة المقبلة، وشارك في جلستي الحوار كل من د. عيد العتيبي، د. وليد الحميدي، أ. محمد إبراهيم المعجل، د. حسين بن علي أبو الحسن، د. محمد بن سلطان العتيبي، وأدار الجلستين كل من د. عبدالله العساف، والأستاذ عبداللطيف الضويحي.
تكريم شخصية المنتدى

وقد كرّم المنتدى صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز، بوصفه شخصية المنتدى، نظرا لما قدمه سموه خلال فترة توليه رئاسة الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في المملكة، منذ توليه رئاسة المجلس الاستشاري لهيئة السياحة عام 2001م، وحتى انتهاء عمله فيها عام 2018م.
وسلمه رئيس مجلس إدارة مركز عبدالرحمن السديري فيصل بن عبدالرحمن بن أحمد السديري درع التكريم وهو مجسم لخشم العرنية، المعلَم الطبيعي المتشكل في مدخل محافظة الغاط، تقديرًا لسموه الكريم، وتعبيرًا عن أهمية المعالم الطبيعية والتراثية في صناعة السياحة في المملكة.
كلمة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز

وقد ألقى سموه كلمة بهذه المناسبة، قال فيها: إن اهتمامي بالتاريخ والآثار انبثق من اعتزازي بوطني وبحضارته على مرِّ العصور. وإن الجزيرة العربية قد احتضنت حضارات متتابعة في ربوعها، حتى جاء الإسلام. وإن الانطلاق بالسياحة الوطنية، يأتي من اعتزازنا بهذا الوطن وما احتضنه من حضارات إنسانية متتابعة، وكانت أرض الجزيرة العربية التي تمثل المملكة العربية السعودية المساحة الأكبر والأهم فيها، كانت موطنا لأهم الممالك والحضارات القديمة، وتقاطرت على أرضها طرق التجارة العالمية، فمثلت وسيلة تواصل بين الأمم والشعوب وحضاراتهم المتنوعة. وعندما نهتم اليوم بالمواقع التاريخية والأثرية ومنها الغاط، نجد أثر هذه الحضارات والنقلات الكبيرة على مدى التاريخ، شاهدًا أمامنا في المواقع الآثارية والتراثية المهمة.
وتحدث سموه عن مشاريع تطوير الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني والمبادرات والمشاريع السياحية والتراثية التي قامت بها، للتأسيس لصناعة سياحية في المملكة والنهوض بها وتطويرها، لتكون قوة اقتصادية داعمة للاقتصاد الوطني، ومولّدةً لفرص عمل على سعة الوطن واتساع المواقع السياحية والتراثية التي يزخر بها في مختلف مناطقه ومحافظاته. سواء في مجالات الفندقة أو المتاحف أو النزل التراثية أو الصناعات التقليدية، أو البرامج السياحية التي تتولد يوما بعد يوم في مجال صناعة السياحة، فالمواطن السعودي أثبت أنه قادر على أن يخوض هذا المجال ويبدع فيه. ونحن نتطلع إلى تطور صناعة السياحة لترفد الاقتصاد الوطني، وتسهم في زيادة الأيدي الوطنية العاملة في هذا المجال.
وقال إن قبولي لهذا التكريم في هذا المنتدى، هو نيابة عن كل من عملت معهم في الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، منذ بدايات التأسيس التي واجهت تحديات كثيرة، وحتى استطعنا الوصول بها إلى مرحلة نزهو بها، مع أن طموحنا لا يتوقف في تطويرها باستمرار خدمة للوطن والمواطن على حد سواء.
كلمة د. زياد السديري

وألقى الدكتور زياد السديري العضو المنتدب لمركز عبدالرحمن السديري الثقافي، كلمة رحب فيها بحضور صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز، قال فيها: إن الهيئة المنظمة للمنتدى درجت على اختيار شخصية المنتدى التي يتم تكريمها، ممن يكون له عطاء مميز في مجال موضوع المنتدى؛ ولذا، جاء اختيار صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز نظرًا لما قدمه خلال مسيرة عمله في خدمة قطاع السياحة في المملكة في التأسيس والتأصيل والتطوير على مدى عشرين عاما، كانت حافلة بالإنجازات الكبيرة والمؤثرة في تطور هذا القطاع المهم في المملكة.
وأكد الدكتور زياد السديري أن سمو الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز، يُعد في صناعة السياحة في المملكة أباها ومؤسسها، بذل نفسه في خدمة وطنه في مجالات عديدة ومتنوعة، وتشهد بذلك سيرته التي ستتناولها كلمة هيئة المنتدى في هذا اللقاء.
وأشار الدكتور السديري إلى أن الأمير سلطان كان له فضل على محافظة الغاط بتبنّي مبادرة اقترحها الدكتور سلمان السديري، لإعادة تأهيل بلدة الغاط القديمة، وجرى ترميم قصر الإمارة والسوق القديمة وانطلاق مشروع النزل التراثية، وهي مبادرات نالت جائزة منظمة السياحة العالمية UNWTO لأفضلِ مشروع تأهيل بلدة تراثية، وهو إنجاز سياحي يسجل لسموه في محافظة الغاط، إلى جانب مبادراته العديدة لخدمة المواقع السياحية المنتشرة في مناطق المملكة.
وقال إن مركز عبدالرحمن السديري الثقافي درج منذ تأسيسه في العام 1383هـ (1963م) على الإسهام في خدمة الثقافة على مستوى الوطن، من خلال ما توفره مكتباته العامة في كل من الجوف والغاط، وما تقدمه برامجه للنشر ودعم الأبحاث، وما تحييه مناشطه المنبرية، وأنشطة موجهة للمرأة والطفل تشرف عليها إدارة القسم النسائي بالمركز، تحقيقا لما أراده مؤسس المركز يرحمه الله، خدمة للثقافة والمعرفة.
وفي نهاية كلمته أشار السديري إلى أن هيئة المنتدى درجت على أن يكون لها كلمة تتحدث عن شخصية المنتدى المكرّمة، وفي هذه الدورة كان قد أعد الكلمة عضو هيئة المنتدى الدكتور عبدالرحمن بن صالح الشبيلي، يرحمه الله، الذي تربطه بالشخصية المكرمة أواصر كثيرة على امتداد عقود من الزمان، لكن الأجل لم يمهله حتى يشهد فعاليات هذا المنتدى، ليلقيها بنفسه، لذلك فإن الهيئة أوكلت مهمة إلقاء الكلمة نيابة عن الدكتور الشبيلي إلى عضو الهيئة الدكتور عبدالواحد الحميد.
كلمة هيئة المنتدى
وفي كلمة هيئة المنتدى، قال الدكتور عبدالواحد الحميد إن الدكتور عبدالرحمن الشبيلي سطّر بقلمه هذه الكلمة ليتحدث عن الشخصية المكرمة في المنتدى، وبث فيها بأسلوبه الشيق نظرته في التعبير عن خبرات صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان وخصائصه الفكريّة المتنوعة، وملامح سماته ومناقبه التواصليّة. وكتب الدكتور الشبيلي أن الشغف المتأصّل بقراءة التاريخ وإدراك ما يتّصل به من تحوّلات السنين، إلى الذاكرة الأرشيفيّة "الكريستاليّة" ميّزت شخصية الأمير سلطان بن سلمان، فمكنته من رصد الأحداث والسجلّات، وحقق معها تنوّعا في حقول المعرفة، ما شكّلت مرتكزات ثقافيّة جعلته يظفر بفكر سياحي بمساحة الكون الذي حلّق فيه. ولم يكن مصطلح السياحة يعبُر الذهن المحلّي ولا يُقيم وزناً له، ولم يكن للوطن حضور في خريطة تلك الصناعة ومؤتمراتها، إذ كان المثقّف يتابع رالي داكار وتزلّج الألب، ولم يخطر على باله أن نفود حائل يمكن أن يستفيق على سباقات بمذاق محلي وجذب عالمي، في الربع الخالي ونفود الثويرات والدهناء والصمّان. وكان استثمار سواحل البحر الأحمر أضغاثَ أحلام، ولم يكن المرء يتصوّر وجود نُزُل صحراوي يبئى بمختلف درجات النجوم الفندقيّة في عروق بني معارض بالربع الخالي وفي العُلا، وأن منتجعات فَرْسان وخلجان الصيد والغوص فيها، ستتماهى ومذاق السائح السعودي، بما شجّع المستثمر على التوجُّه في هذا المضمار، فكيف أسّس هذا الفارس لتلك الصناعة سعوديّـاً منذ مطلع القرن الحادي والعشرين؟
وأشار إلى أن كتابه 'الخيَال الممكن' الذي أصدره قُبيل مغادرته كرسي السياحة والآثار، تضمّن قصة الكيان الذي بناه، من حيث كان فكرة في ذهن الأمير الراحل سلطان بن عبدالعزيز أول رئيس لمجلس إدارة الهيئة، إلى أن صار شجرة باسقة مُورقة، فكسب الاعتراف العالمي والتفاعل المحلّي. ولم ينظر إلى السياحة الوطنيّة من حيث كونها إيواءً ومواقع ووسائط سفر ومواسم إجازات، مع أنها كلها مقوّماتٌ مهمة، ولكنه 'فلسف' السياحة، لتكون قيمة ابتكار ومنتجاً اقتصاديّاً وطنيّاً، حتى غدا لتلك الفلسفة مع الأيام موقعاً في كلّيات السياحة وعلومها.
وختم كلمته بقوله إن منتدى عبدالرحمن السديري للدراسات السعوديّة، في دورته الثالثة عشرة، الذي ينعقد سنويّاً بالتناوب بين الجوف والغاط، ويتناول هذا العام موضوع السياحة الوطنيّة، لسعيد بأن يُختار للتكريم مؤسّس السياحة السعوديّة الأول، الذي عشق الوطن وطاف أرجاءه، واحتضن الآثار والتراث العمراني، وخص الغاط بمشاعره وبمشروعاته، وحسْبه أنه من سلالة عبدالعزيز وسلمان، ومن نسل سارة وحصة وسلطانة السديري، وأنه سائح زادُه الدماثةُ والنُّبلُ والوفاء، يُنتظر منه في موقعة الجديد، أن يضع الوطن على قائمة الدول المتصدّرة في عالم الفضاء الذي ارتاده قبل خمسة وثلاثين عاماً.
ندوة المنتدى
حلقة الحوار الأولى / المحور الأول:
واقع القطاع السياحي السعودي: الإنجازات والتحديات
المتحدثون: د. عيد العتيبي، د. وليد الحميد، أ. محمد بن إبراهيم المعجل.
أدار الجلسة: د. عبدالله العساف.

افتتح د. عبدالله العساف الجلسة فقال إن هذه الندوة تأتي في ظل الاهتمام الكبير على المستوى الوطني بصناعة السياحة، بالنظر إلى دورها في الاقتصاد الوطني. فالمملكة تعد قارة مترامية الأطراف، لديها كنوز تاريخية وأثرية وثقافية تتوزع في مختلف مناطقها في الشرق والغرب والشمال والجنوب. وإن استعراض هذه الكنوز وهذا التنوع يستغرق من الوقت الكثير، لكننا في هذه الجلسة، سنقتصر الحديث عن واقع القطاع السياحي وأهم عناصره، فهو قد أضحى أحد مقومات الاقتصاد في العديد من الدول على مستوى العالم، وإن الدول توليه اهتمامًا كبيرًا بالنظر إلى تأثيره الملحوظ في المجال الاقتصادي والثقافي والاجتماعي. وقال: إننا اعتدنا أن نجوب العالم شرقًا وغربًا، ولم نعتد على أن يكون بلدنا وجهة سياحية تستقبل الأفواج السياحية من مختلف دول العالم، ونحن شعب مضياف امتاز بحسن الضيافة والبشاشة، وهذا له دوره في رفع درجة المملكة لتكون وجهة سياحية عالمية. وإن ترتيب المملكة حاليا (22) على مستوى العالم من حيث تدفق الزوار (بما فيها السياحة الدينية)، وهو مستوى جيد بإمكاناتنا الحالية، لكن مع المشاريع الكبرى وصولا إلى (2030)، فإن المأمول أن يتحسن الترتيب، بزيادة السياحة على اختلاف أنواعها.

المتحدث الأول: د. وليد بن محمد
الحميدي: أمين منطقة عسير
بدأ حديثة بقوله إن رحلة السياحة في المملكة كانت رحلة شاقة وطويلة، حققت نجاحات كبيرة، لكنها واجهت تحديات، استطعنا بالصبر والحكمة مواجهتها والنهوض بالحركة السياحية. وفيما يتعلق بمنطقة عسير كتجربة، أقول إن هيئة تطوير عسير وضعت استراتيجية لتنمية المنطقة وتطويرها سياحيا، وكان التركيز على ثلاثة محاور، أولها المواطن، والثاني البيئة الطبيعية التي تحظى بها منطقة عسير، والثالث مجتمع منطقة عسير، ومدى تفهمه لأهمية السياحة واهتمامه بأصالته وتراثه الوطني. وهذه المكونات الثلاثة كانت تساندنا في عملنا في التطوير والتخطيط السياحي، وإن قرار الدولة بشأن إتاحة التأشيرة السياحية، سيخدم قطاع السياحة بشكل كبير، ونحن الآن نخطط لافتتاح الواجهة البحرية لمنطقة عسير بطول سبعة كيلومترات تم تجهيزها بالبنية التحتية اللازمة، ونحن ننتظر قطف ثمار هذا الإنجاز قريبا بإذن الله.
وفيما يتعلق بالمطار، فإن من الأهمية بمكان زيادة الطاقة الاستيعابية له لتسهيل حركة السفر، واستيعاب الأعداد المتزايدة، سواء السائحين القادمين من خارج المملكة أم من داخلها. فالمطار هو حلقة الوصل بين السائح والوجهة السياحية التي يبحث عنها.
وأشار د. وليد، إلى أهمية حاضنات الأعمال الصغيرة في مجال السياحة لمساعدة المواطنين على المشروعات السياحية المساندة، مثل إنشاء المطاعم السياحية التراثية التي تقدم الأكلات الشعبية والتراثية التي تجد إقبالا من السائحين، والحرف اليدوية والتقليدية لما فيها من تأصيل للصناعات التقليدية التي تتميز بها المناطق السياحية في المملكة، وما يميز منطقة عسير هو أصالة تراثها الشعبي، سواء الأكلات العسيرية المميزة، أو الصناعات التقليدية التي يتقنها المواطن في عسير ويحافظ عليها. كما أكد أهمية دعم التوجه نحو التسويق السياحي الإلكتروني لتسويق المنطقة سياحياً، لجذب السائحين من خارج المملكة، الذين لا يعرفون ما تمتاز به هذه المناطق بوصفها وجهات سياحية تملك الكثير من المقومات المشوقة والمحفزة على زيارتها، والإقامة فيها، والاستمتاع بأجوائها وعناصرها التراثية والطبيعية.

المتحدث الثاني: أ. محمد بن إبراهيم
المعجل رئيس مجموعة المعجل
أما الأستاذ محمد المعجل، فقال: نحن في اللجنة الوطنية للسياحة منذ إنشائها في مجلس الغرف التجارية السعودية، كنا نسعى باستمرار لمن يدعم القطاع السياحي، وكان هو القطاع اليتيم بين القطاعات الأخرى، الذي لا يحظى بجهة رسمية محددة ترعاه، حتى تم إنشاء الهيئة العليا للسياحة، والتوجيه الكريم بتعيين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز في قيادتها، واستبشرنا خيرا، وبدأنا العمل على تطوير القطاع السياحي، وكان المنطلق هو وضع تشريعات قانونية وقواعد للنهوض بالعمل السياحي في المملكة. وقد كان الأمير سلطان بن سلمان بحمد الله قياديا ناجحا، على الرغم من أن خبرته السابقة كرائد فضاء كانت في مجال بعيد عن السياحة، لكن العمل مع سموه كانت له روح العطاء والبذل والابتكار، لقد كنا نعمل مع صاحب فكر نيّر انطلق ليبني قاعدة سياحية واسعة في المملكة، وقد واجهنا العديد من التحديات، ولكنها كانت تواجَه من قبلنا بالإصرار على تحقيق الطموح والإنجاز، واستطاعت الهيئة العامة للسياحة أن تبني جيلا من أبناء الوطن امتلكوا خبرات عملية، وأتقنوا مهارات عديدة في مجال السياحة، ما يؤكد أننا قادرون على تحمل مسؤولية هذا القطاع وتنميته وتطويره.
وأشار إلى الدور المهم المعوَّل على الجهات التي ينتظر منها دعم المنشآت السياحية الصغيرة، وتقديم تسهيلات للمستثمرين الصغار من المواطنين الراغبين في العمل في مجال المشروعات السياحية الصغيرة، وسيخلق ذلك تطويرًا في صناعة السياحة، ويسهم في زيادة إيرادات هذا القطاع، وتشغيل العديد من الأيدي الوطنية الباحثة عن العمل المجدي.
كما نوّه إلى ضرورة وجود تشريعات قانونية تنظم العمل في الاستثمارات السياحية، بما يساعد على تشجيع الاستثمار وبخاصة في مجال الإيواء والفندقة، والحرص على توفير التنافس العادل وعديد الأسعار المناسبة للخدمات السياحية بما يكفل حقوق المستثمرين ويشجعهم.
وقال إن السياحة تعد البترول الأبيض، بوصفها تحقق إيرادات مهمة في الاقتصاد الوطني، والسياحة الدينية لها قسط كبير منها ، ويمكننا الإفادة من القادمين للمملكة بقصد الحج والعمرة لإطالة مدة الإقامة وزيارة المناطق السياحية فيها.
جانب من الحضور


المتحدث الثالث:
د. عيد بن قعدان العتيبي
مستشار نائب الرئيس في الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني
وتحدث الدكتور عيد مؤكدًا أن قطاع السياحة يُعد من أكبر القطاعات الاستثمارية التي تقود الاقتصاد في العالم اليوم، فهو يوظف نحو 10% من إجمالي عدد الوظائف في العالم، أي بحدود ثلاثمائة مليون وظيفة حول العالم هي في القطاع السياحي، سواء كانت مباشرة أم غير مباشرة، ما يكشف أهمية التركيز على هذا القطاع في المملكة وتطويره وتنميته ليكون داعما للاقتصاد الوطني، ومستوعبًا لمئات الآلاف من الأيدي الوطنية العاملة.
وأكد أن النظرة للقطاع السياحي هي على أنه القطاع القائد، وأن القطاعات الأخرى هي قطاعات مساندة، لذلك لا بد من دعم استراتيجية عامة لتنمية السياحة الوطنية، وإن القطاع الخاص في المملكة وكبار المستثمرين يترتب عليهم أدوار مهمة في دعم القطاع السياحي، وكذلك الحال بالنسبة للمجتمع المدني ومؤسساته المتنوعة. وإن قطاع السياحة في المملكة يعوّل عليه أن يكون القطاع الأول والفاعل فيما يتعلق بالإيرادات غير النفطية. وهذه الإيرادات تسهم حاليا بنحو 3.6% من إجمالي الناتج المحلي، بينما المستهدف في رؤية (2030) أن تسهم بما لا يقل عن 10% من إجمالي ناتج المملكة غير النفطي.
وأشار الدكتور العتيبي إلى أن قطاع السياحة في المملكة يوظف حاليا ما لا يقل عن (600) ألف مواطن ومواطنة، ونتطلع في رؤية (2030) أن تصل النسبة إلى مليون وظيفة على الأقل. وذلك في الوظائف المتعلقة بالمناشط السياحية من إيواء وفندقة ومطاعم ومنتجعات وغيرها.
وقال إن الخدمات المساندة في مجال السياحة يجب أن نُحطْه بالعناية اللازمة، وهي تبدأ من لحظة وصول السائح إلى المطار، بل قبل ذلك في كاونترات مطارات الجهات القادمة، وغيرها من وسائل النقل والليموزين والفنادق. وكل ذلك له تأثيره في مستوى رضى السائح.
وأكد أن هيئة السياحة والتراث الوطني وقعت اتفاقية مع منظمة سياحية دولية لإنشاء أكاديمية متخصصة في المملكة، لتدريب الكوادر الوطنية في المجالات السياحية المختلفة. كما استحدثت الهيئة منذ سنوات برنامج تكاملٍ لتطوير الموارد البشرية السياحية في المملكة، ومع إطلاق التأشيرة السياحية عقدت العديد من الدورات التدريبية لموظفي الاستقبال في منافذ الجوازات بالمطارات، وموظفي مكاتب سائقي التاكسي والفنادق، ولكل من سيكون له احتكاك مباشر مع السائح أو الزائر. كذلك ينبغي أن نهتم بتطوير قدرة الأدلاء السياحيين على إتقان اللغات العالمية لتسهيل التواصل مع السياح.
جانب من الحضور

حلقة الحوار الثانية/ المحور الثاني:
آفاق تطوير قطاع السياحة، وتعزيز إسهامه
في الاقتصاد السعودي خلال المرحل المقبلة
المتحدثون: د. حسين بن علي أبو الحسن، د. محمد بن سلطان العتيبي، د. محد الدغيشم أدار الجلسة: أ. عبداللطيف الضويحي
بدأ مدير الجلسة بشكر مركز عبدالرحمن السديري الثقافي على تبنّي إقامة هذا المنتدى المهم في مجال قطاع السياحة في المملكة، لما تشكله السياحة في العصر الحديث من اهتمام وعناية من الدول التي تمثل السياحة رافدًا رئيسًا في اقتصادها. وقال إن السياحة يعوّل عليها الكثير في مجال توفير فرص العمل للمواطنين، وكذلك في دعم إيرادات المملكة، ونحن نطمح لتكون المملكة وجهة سياحية معتمدة لدى مكاتب السياحة الدولية، ولدى السياح الباحثين عن وجهات سياحية جديدة.

المتحدث الأول:
د. حسين بن علي أبو الحسن
عضو المجلس العالمي للمتاحف
تساءل الدكتور حسين في بداية حديثه، لماذا الاهتمام بالسياحة؟ وقال إن المملكة العربية السعودية حباها الله ثروات ومقومات طبيعية متعددة، وإضافة إلى النفط، فإن المملكة تضم تنوعًًا واسعا من المناطق الطبيعية والآثارية والتراثية التي هي أهم مقومات السياحة في العالم، ولذا فهي تعد خيارًا استراتيجيًا بالنسبة للمملكة يجب التركيز عليه.. والانطلاق به بشكل قوي وواضح، وقد ظهر ذلك جليا في القرارات التي صدرت من الدولة، وأطلقت كذلك العديد من المشاريع والمبادرات الكبرى في المجالات السياحية والترفيهية والرياضية، لتصنع وجهات سياحية جديدة في المملكة، سواء في نيوم، أو العلا، أو بوابة الدرعية، وكل ذلك أكد حرص الدولة على اعتبار السياحة خيارًا استراتيجيا مهماً لاقتصادنا الوطني.

المتحدث الثاني:
د. محمد بن سلطان العتيبي
عضو هيئة تدريس بكلية السياحة والآثار بجامعة الملك سعود
بدأ الدكتور محمد سلطان العتيبي كلمته بالحديث عن أهمية التركيز على الهوية التي تتميز بها المملكة العربية السعودية، باعتزازها بكونها موطن الإسلام ومنطلقه، اصطفاها الله من بين باقي بقاع الأرض، كما أن أرض الجزيرة العربية التي تمثل المملكة معظم بقاعها هي منبت العروبة، وفيها تجد عبق التاريخ وآثار الحضارات الإنسانية العظيمة التي كانت أرض المملكة حضنًا لها منذ آلاف السنين، فهذه الهويات الثلاث تشكل صورة المملكة التي ينبغي الحرص عليها، وبخاصة عند تسويقها سياحيا في الخارج.
وأشار إلى أن الإعلام الغربي أسهم في تشويه صورة المملكة، ولا بد من العمل على نشر الصورة الحقيقية لها وتعزيزها من خلال إعلام شفاف، يُظهر ما تمتاز به المملكة من كنوز حضارية آثارية وتراثية، وما لديها من مواقع سياحية، إضافة إلى تميز المجتمع السعودي بكرم العرب الأصيل، والبشاشة في استقبال الضيف والزائر، وهذا يحتاج إلى خبراء لديهم الخبرة والمعرفة في بناء صورة ذهنية صحيحة وراسخة عن صورة المملكة الحقيقية المشرفة، التي يمكن استثمارها في تسويق المملكة سياحياً.

المتحدث الثالث:
د. محمد الدغيشم
عضو هيئة تدريس بكلية السياحة والآثار بجامعة الملك سعود
نوّه د. الدغيشم بضرورة تهيئة المجتمعات المحلية في مختلف المواقع السياحية والآثارية بالمملكة للمرحلة المقبلة، بما فيها من حركة سياحية مؤملة، يزور المملكة خلالها أفراد ومجموعات سياحية من مختلف دول العالم، فالبعد الاقتصادي للسياحة لا يغني عن النظر بجدية واهتمام كبيرين بموضوع الضيافة، والتعامل مع السائح القادم من خارج المملكة، ونحن نعلم أن لكل مجتمع قِيَمَه وعاداته، وإن التعريف بثقافات الشعوب الأخرى وعاداتها يعد ضرورياً ومفيدًا في التأصيل لثقافة سياحية عند أبناء مجتمعنا، والتواصل معه بطريقة حضارية تخدم صورة المملكة وشعبها المضياف، وبخاصة مع تنوع الثقافات والأعراق والعادات لدى السياح على اختلاف الأماكن التي قدموا منها.
كما أثنى الدكتور الدغيشم على فكرة تبنّي مفاهيم جديدة في التسويق السياحي، لتحقيق النجاح فيما نصبو إليه عند تسويق المملكة سياحيا في الخارج. وأشار إلى أهمية إدخال المشروعات السياحية الصغيرة ضمن المشروعات التي تستحق الدعم من جهات التمويل الداخلية، وحاضنات الأعمال لمساعدة الشباب الراغبين في إيجاد مشاريع خدمية أو منتجة في المجالات السياحية، وذلك وفق ما يميز كل منطقة من مناطق المملكة، التي ينبغي أن يكون لكل منها هويتها السياحية التي تميزها عن غيرها، بالنظر إلى المقومات السياحية التي تملكها.. سواء أكانت دينية أم آثارية أم تراثية أم ترفيهية أم طبيعية. مع الحرص على التكاملية بين المجموع الكلي للمناطق السياحية؛ إذ ينبغي التسويق للمملكة بشكل تكاملي للمواقع السياحية، ولا يمنع ذلك من تميز كل منطقة بمقومات سياحية خاصة بها، فالتنوع ضروري، لكن في الصورة العامة ينبغي الحرص على التكاملية.

مداخلات وتوصيات
شهدت الندوة حوارًا ومداخلات من الجمهور تناولوا العديد من القضايا المتعلقة بقطاع السياحة، ومنها أهمية التركيز على تسويق المملكة كوجهة سياحية دولية، للوصول إلى مكاتب تنظيم المجموعات السياحية في مختلف دول العالم، وبخاصة التي تتميز بإقبال لافت بين شعوبها على الرحلات السياحية السنوية أو الموسمية. كما تناول العديد من الحضور أهمية تأهيل العاملين في هذا القطاع، وكذلك كل من سيعمل في المشاريع السياحية الصغيرة، لتطوير وسائل التواصل والتعاون مع السائحين والزوار.
وأشار أحد المداخلين إلى الدور المتوقع أن تؤديه وزارة التعليم بالمملكة، من خلال إدراج مواد مناسبة عن السياحة في المناهج المدرسية. وإن ما هو موجود حاليا في الجامعات السعودية في مجال كليات السياحة، لا يفي بالغرض، وبخاصة أن المملكة تستهدف استقبال ما لا يقل عن مائة مليون سائح، وهو رقم كبير يحتاج إلى جهود كبيرة جدا في مجال بناء البنية التحتية في المواقع السياحية.. سواء الدينية أو الآثارية أو المعالم الطبيعية والشواطىء وغيرها.
كما أكدت المداخلات أننا -في الوقت نفسه- نحتاج إلى تأهيل كل الجهات والأفراد العاملين في مجال الخدمات السياحية. ويشمل ذلك جميع المحطات التي سيتعامل معها الزوار والسياح ابتداء من لحظة تخطيطهم للقدوم إلى المملكة وحتى مغادرتهم لها؛ لأن ذلك هو الذي سيؤكد الصورة الحقيقية للمملكة من وجهة نظر هؤلاء السياح، وسيكونون رسل إعلام ودعاية عن المملكة كوجهة سياحية دولية.
وفي إحدى المداخلات أشارت إحدى الحاضرات إلى ثلاث نقاط أساسية ينبغي أخذها بعين الاهتمام من قبل الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني:
الأولى: توظيف التقنية وتطوير مهارات وكفاءات الكوادر العاملة في مجال الخدمات السياحية،
الثانية: الاهتمام بالهوية الوطنية التي تميز المملكة العربية السعودية ومجتمعها العربي المسلم المضياف.
الثالثة: عقد شراكات استراتيجية بين المؤسسات المختلفة العاملة في قطاع السياحة، لضمان العمل التكاملي في مجال تطوير قطاع السياحة في المملكة، ويشمل ذلك قطاعات التعليم والنقل والجوازات والإعلام والقطاع الخاص العامل في الأنشطة السياحية، وغيرها.
ومن أهم التوصيات التي أوصى بها المتحدثون والمشاركون، ما يأتي:
- أهمية مشاركة القطاع الخاص في تنفيذ المشاريع السياحية.
- الاهتمام بتأهيل الكوادر البشرية العاملة في القطاع وتدريبهم لقيادة قطاع السياحة.
- تشييد البنى الأساسية، والخدمات المساندة ودعمها، وتبني المبادرات والمشاريع التي تعُنى بالارتقاء بجودة الخدمات السياحية ودعمها، وتوفير سبل نجاحها.
- ضرورة تحديد خريطة للأماكن السياحية ونشرها على المواقع الإلكترونية.
- العمل على جذب الاستثمارات وتشجيعها في مجال السياحة، من خلال تقديم الحوافز والتسهيلات للمستثمرين السعوديين والأجانب.
- التركيز على توظيف العمالة الوطنية في كافة المشاريع التي تتعلق بالسياحة البيئية.
- اهتمام الجهات التدريبية وبخاصة الغرف التجارية الصناعية بتنويع أماكن عقد الدورات التدريبية في مختلف مناطق المملكة، واستغلال هذه الدورات لتعريف المواطنين بمقومات السياحة في المملكة؛ ما يحفزهم على اصطحاب عائلاتهم وتكرار زيارة هذه المناطق بما يدعم اقتصادها والاقتصاد الوطني ككل.
- إنشاء كليات سياحية في الجامعات السعودية، ودعم البحث العلمي في مجال السياحة المحلية.
- نشر ثقافة الاختلاف، وتقبل الآخر، وحسن استقبال الزوار والسائحين، وتأهيل الأسواق الشعبية وتطويرها.
كلمة هيئة منتدى عبدالرحمن السديري للدراسات السعوديّة (١٣)
سلطان بن سلمان
فكر سياحي بمساحة الكون الذي حلّق فيه

■ عبدالرحمن الشبيلي*
تتواضع حروفي عن تشخيص الكفايات الفكريّة المتنوّعة للشخصيّة المكرّمة، وعن قراءة ملامح سماته ومناقبه التواصليّة، لكن ما يمكن تقريره ابتداءً أن لديه من صفات والده موروثاتٍ سلوكيّةً مكتسبة، بدءاً من الشغف المتأصّل بقراءة التاريخ وإدراك ما يتّصل به من تحوّلات السنين، إلى الذاكرة الأرشيفيّة 'الكريستاليّة' لرصد ما سبق من أحداث وسجلّات، وصولاً إلى تنوّع حقول المعرفة، التي شكّلت مرتكزات ثقافيّة جعلته يظفر بفكر سياحي بمساحة الكون الذي حلّق فيه. ولأن حديث المنتدى عن السياحة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه في المقام الأول، هو عن كيفيّة نشوء هذا المكوّن من جوانب حياته؟
فلو نظرنا في شريط الذكريات قبل عقدين، لوجدنا أن مصطلح السياحة لم يكن يعبُر الذهن المحلّي ولا يُقيم وزناً له، وأن ليس للوطن حضور في خارطة تلك الصناعة ومؤتمراتها، وربّما لم يكن العقل الباطن يستوعب مقاصد الكلمة،، كان المثقّف يتابع رالي داكار وتزلّج الألب، ولم يخطر على باله أن نفود حائل يمكن أن يستفيق على سباقات بمذاق محلي وجذب عالمي، وأن رمال الربع الخالي ونفود الثويرات والدهناء والصمّان يمكن أن تستنبت أنواعاً مبتكرة من الرياضات غير المألوفة. وقبل عقدين من الزمن، كان استثمار سواحل البحر الأحمر أضغاثَ أحلام، ولم يكن المرء يتصوّر وجود نُزُل صحراوي بيئي بمختلف درجات النجوم الفندقيّة في عروق بني معارض بالربع الخالي وفي العُلا، وأن منتجعات فَرْسان وخلجان الصيد والغوص فيها، ستتماهى ومذاق السائح السعودي، بما شجّع المستثمر على التوجُّه في هذا المضمار، فكيف أسّس هذا الفارس لتلك الصناعة سعوديّـاً منذ مطلع القرن الحادي والعشرين؟ كان الإنسان الذي راودته تلك الأحلام بعد أن طاف آفاق الأرض والفضاء، وجال معظم أماكن العالم، يتخيّل يوماً ينجذب فيه المواطن إلى مرابع بلاده، بخيال يُـلهم بالأفكار، كان شعوره وشعاره 'أن الحياة تبدأ كل يوم' فرسم مع مستشاريه الاستراتيجيّات، مفرغاً من ذهنه ما أسماه 'الخيَال الممكن' ليصير خياله مع الأيّام إلى حقيقة، ودوّن تجربته تلك في كتاب سيبقى الوثيقة الأولى في تحويل المملكة من قفار مجهولة إلى صقاع تأخذ نصيبها المبتكر من صنعة السياحة واقتصادها في هذا العالم الفسيح.
تضمّن كتابه 'الخيَال الممكن' الذي أصدره قُبيل مغادرته كرسي السياحة والآثار، قصة الكيان الذي بناه، من حيث كان فكرة في ذهن الأمير الراحل سلطان بن عبدالعزيز أول رئيس لمجلس إدارة الهيئة، إلى أن صار الخيال شجرة باسقة مُورقة، كسب الاعتراف العالمي والتفاعل المحلّي، وكان أن أضفت الآثار وتعلّقُـه بها مزيداً من الامتزاج بين الاختصاصين، وأحسب أن حبه للآثار كان من أبلغ مؤثرات تعميق الإبداع في فكره السياحي، تنظيراً وتطبيقاً، فلا عجب أن يختار موقعًا للنزل الصحراوي في الربع الخالي على مقربة من قرية الفاو الأثريّة التاريخيّة، وأن يقام نزل العلا على ضفاف مدائن صالح.
لم ينظر صاحبنا إلى السياحة الوطنيّة من حيث كونها إيواءً ووسائل نقل ومواقع ووسائط سفر ومواسم إجازات، مع أنها كلها مقوّماتٌ مهمة، ولكنه 'فلسف' للسياحة، لتكون قيمة ابتكار ومنتجاً اقتصاديّاً وطنيّاً، حتى غدا لتلك الفلسفة مع الأيام موقع في كلّيات السياحة وعلومها. ولم يكن الاقتران بين الآثار والسياحة لديه مجرّد تزاوج بيروقراطي، ولكنه وقد فهمها على أنها شواهد البُعد الحضاري للجزيرة العربيّة، كتب فيها محاضرات معمّقة كنتُ شاهداً على بعضها في أكسفورد وباريس وأبوظبي أثبت في الأحدث منها على أن الإسلام بدأ في جزيرة العرب منذ خلق الله الإنسان، كما شهدت جامعة أكسفورد في ندوة خاصة عقدت فيها عام 2014 بشرى عودة جزيرة العرب للاخضرار بعد أن كانت مروجاً وأنهاراً، مصداقاً للحديث الشريف. ومن المحطات التي يرويها بحنين بالغ لو أوتي من الوقت ساعات، شغفه الشديد منذ الصغر بطلعات البر وحياة الصحراء، كيف لا وقد ورث هذا التيم من أعمامه ووالده وأخواله في قصص تمتدّ لجلسات، ولا يكاد ينافسها سوى عشقه الثاني للطيران، الذي ننتظر أن يصدر فيه كتاباً يحكي تجربته، وأحسب أن توأمة فريدة قد تكوّنت في قلبه بين معشوقتيه في الأرض والسماء، بما فيهما من ترابط مفهوم. وبعد،
إن منتدى عبدالرحمن السديري للدراسات السعوديّة، في دورته الثالثة عشرة، الذي ينعقد سنويّاً بالتناوب بين الجوف والغاط، ويتناول هذا العام موضوع السياحة الوطنيّة، لسعيد بأن يختار للتكريم مؤسّس السياحة السعوديّة الأول، الذي عشق الوطن وطاف أرجاءه، واحتضن الآثار والتراث العمراني، وخص الغاط بمشاعره وبمشروعاته، وحسْبه أنه من سلالة عبدالعزيز وسلمان ومن نسل سارة وحصة وسلطانة السديري، وأنه سائح زادُه الدماثةُ والنُّبلُ والوفاء، يُنتظر منه في موقعة الجديد، أن يضع الوطن على قائمة الدول المتصدّرة في عالم الفضاء الذي ارتاده قبل خمسة وثلاثين عاماً.